فصل: (الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَتَعَرّفَانِ أَخْبَارَ قُرَيْشٍ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[خُرُوجُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَصْحَابِهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَرَجَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ- وَاسْتَعْمَلَ عَمْرُو بْنُ أُمّ مَكْتُومٍ- وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُمّ مَكْتُومٍ أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ ثُمّ رَدّ أَبَا لُبَابَةَ مِنْ الرّوْحَاءِ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ.

.[صَاحِبُ اللّوَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ أَبْيَضَ.

.[رَايَتَا الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، يُقَالُ لَهَا: الْعُقَابُ وَالْأُخْرَى مَعَ بَعْضِ الْأَنْصَارِ.

.[عَدَدُ إبِلِ الْمُسْلِمِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ إبِلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَعِيرًا، فَاعْتَقَبُوهَا، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَبُو كَبْشَةَ، وَأَنَسَةُ مَوْلَيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَجَعَلَ عَلَى السّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخَا بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ. وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.

.[طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ إلَى بَدْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ طَرِيقَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ، عَلَى نَقْبِ الْمَدِينَةِ، ثُمّ عَلَى الْعَقِيقِ، ثُمّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمّ عَلَى أُولَاتِ الْجَيْشِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَاتِ الْجَيْشِ.

.[الرّجُلُ الّذِي اعْتَرَضَ الرّسُولَ وَجَوَابُ سَلَمَةَ لَهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ مَرّ عَلَى تُرْبَانَ، ثُمّ عَلَى مَلَلٍ، ثُمّ غَمِيسِ الْحَمَامِ مِنْ مَرَيَيْنِ، ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ، ثُمّ عَلَى السّيّالَةِ، ثُمّ عَلَى فَجّ الرّوْحَاءِ، ثُمّ عَلَى شَنُوكَةَ، وَهِيَ الطّرِيقُ الْمُعْتَدِلَةُ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الظّبْيَةُ: عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ- لَقُوا رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ، فَسَأَلُوهُ عَنْ النّاسِ فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا؛ فَقَالَ لَهُ النّاسُ سَلّمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَوَفِيكُمْ رَسُولُ اللّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَسَلّمَ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللّهِ فَأَخْبِرْنِي عَمّا فِي بَطْنِ نَاقَتِي هَذِهِ. قَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشٍ لَا تَسْأَلْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبِلْ عَلَيّ فَأَنَا أُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ. نَزَوْتَ عَلَيْهَا، فَفِي بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَهْ أَفْحَشْت عَلَى الرّجُلِ ثُمّ أَعَرَضَ عَنْ سَلَمَةِ.

.[بَقِيّةُ الطّرِيقِ إلَى بَدْرٍ]:

وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَجْسَجَ، وَهِيَ بِئْرُ الرّوْحَاءِ كَانَ بِالْمُنْصَرَفِ تَرَكَ طَرِيقَ مَكّةَ بِيَسَارٍ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النّازِيَةِ يُرِيدُ بَدْرًا، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا، حَتّى جَزَعَ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ رُحْقَانُ، بَيْنَ النّازِيَةِ وَبَيْنَ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ، ثُمّ عَلَى الْمَضِيقِ، ثُمّ انْصَبّ مِنْهُ حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصّفْرَاءِ، بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ الْجُهَنِيّ حَلِيفَ بَنِي سَاعِدَةَ وَعَدِيّ بْنَ أَبِي الزّغْبَاءِ الْجُهَنِيّ حَلِيفَ بَنِي النّجّارِ إلَى بَدْرٍ يَتَحَسّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ. ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَدِمَهَا. فَلَمّا اسْتَقْبَلَ الصّفْرَاءَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ سَأَلَ عَنْ جَبَلَيْهِمَا مَا اسْمَاهُمَا؟ فَقَالُوا: يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا، هَذَا مُسْلِحٌ، وَلِلْآخَرِ هَذَا مُخْرِئٌ، وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِهِمَا، فَقِيلَ بَنُو النّارِ وَبَنُو حُرَاقٍ، بَطْنَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَكَرِهَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُرُورُ بَيْنَهُمَا، وَتَفَاءَلَ بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ أَهْلِهِمَا. فَتَرَكَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالصّفْرَاءَ بِيَسَارِ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى وَادٍ يُقَالُ لَهُ ذَفِرَانَ، فَجَزَعَ فِيهِ ثُمّ نَزَلَ.

.[أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالْمِقْدَادُ وَكَلِمَاتُهُمْ فِي الْجِهَادِ]:

وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ فَاسْتَشَارَ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ قُرَيْشٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ. ثُمّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ امْضِ لِمَا أَرَاك اللّهُ فَنَحْنُ مَعَك، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا إنّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّى تَبْلُغَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِهِ.

.[اسْتِيثَاقُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَمْرِ الْأَنْصَارِ]:

ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاس» وَإِنّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ عَدَدُ النّاسِ وَأَنّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا بُرَاءٌ مِنْ ذِمَامِك حَتّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إلَيْنَا، فَأَنْتَ فِي ذِمّتِنَا نَمْنَعُك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَخَوّفُ أَلّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلّا مِمّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوّهِ وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى عَدُوّ مِنْ بِلَادِهِمْ. فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاَللّهِ لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ «أَجَلْ» قَالَ فَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقّ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَك، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ. لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ. فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشّطَهُ ذَلِكَ. ثُمّ قَالَ «سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ».

.[الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَتَعَرّفَانِ أَخْبَارَ قُرَيْشٍ]:

ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَفِرَانَ، فَسَلَكَ عَلَى ثَنَايَا. يُقَالُ لَهَا الْأَصَافِرُ، ثُمّ انْحَطّ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ الدّبّةُ وَتَرَكَ الْحَنّانَ بِيَمِينٍ وَهُوَ كَثِيبٌ عَظِيمٌ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ ثُمّ نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ فَرَكِبَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرّجُلُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْن حِبّانَ: حَتّى وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ الْعَرَبِ، فَسَأَلَهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَعَنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ فَقَالَ الشّيْخُ لَا أُخْبِرُكُمَا حَتّى تُخْبِرَانِي مِمّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَخْبَرْتنَا أَخْبَرْنَاك قَالَ أَذَاكَ بِذَاكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ الشّيْخُ فَإِنّهُ بَلَغَنِي أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَ صَدَقَ الّذِي أَخْبَرَنِي، فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، لِلْمَكَانِ الّذِي بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَلَغَنِي أَنّ قُرَيْشًا خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَ الّذِي أَخْبَرَنِي صَدَقَنِي فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمَكَانِ الّذِي فِيهِ قُرَيْشٌ. فَلَمّا فَرَغَ مِنْ خَبَرِهِ قَالَ مِمّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ مِنْ مَاءٍ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ يَقُولُ الشّيْخُ مَا مِنْ مَاءٍ أَمِنْ مَاءِ الْعِرَاقِ؟ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ ذَلِكَ الشّيْخُ سُفْيَانُ الضّمَرِيّ.

.[ظَفَرُ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ يَقِفَانِهِمْ عَلَى أَخْبَارِهِمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَصْحَابِهِ فَلَمّا أَمْسَى بَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إلَى مَاءِ بَدْرٍ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ- كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ- فَأَصَابُوا رَاوِيَةً لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَسْلَمَ، غُلَامُ بَنِي الْحَجّاجِ وَعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ، غُلَامُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي، فَقَالَا: نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ، بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ. فَكَرِهَ الْقَوْمُ خَبَرَهُمَا، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لِأَبِي سُفْيَانَ فَضَرَبُوهُمَا. فَلَمّا أَذْلَقُوهُمَا قَالَا: نَحْنُ لِأَبِي سُفْيَانَ فَتَرَكُوهُمَا. وَرَكَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ ثُمّ سَلّمَ وَقَالَ إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا، صَدَقَا، وَاَللّهِ إنّهُمَا لِقُرَيْشِ أَخْبِرَانِي عَنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَا: هُمْ وَاَللّهِ وَرَاءَ هَذَا الْكَثِيبِ الّذِي تَرَى بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى- وَالْكَثِيبُ الْعَقَنْقَلُ- فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمْ الْقَوْمُ؟ قَالَا: كَثِيرٌ قَالَ مَا عِدّتُهُمْ؟ قَالَا: لَا نَدْرِي؛ قَالَ كَمْ يَنْحَرُونَ كُلّ يَوْمٍ؟ قَالَا: يَوْمًا تِسْعًا، وَيَوْمًا عَشْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَ التّسْعِ مِئَةٍ وَالْأَلْفِ. ثُمّ قَالَ لَهُمَا: فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ؟ قَالَا: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ وَالنّضْرُ بْنِ الْحَارِثِ وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهُ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ هَذِهِ مَكّةُ قَدْ أَلْقَتْ إلَيْكُمْ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا.

.[بَسْبَسُ وَعَدِيّ يَتَجَسّسَانِ الْأَخْبَارَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ قَدْ مَضَيَا حَتّى نَزَلَا بَدْرًا، فَأَنَاخَا إلَى تَلّ قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ ثُمّ أَخَذَا شَنّا لَهُمَا يَسْتَقِيَانِ فِيهِ ومَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ عَلَى الْمَاءِ. فَسَمِعَ عَدِيّ وَبَسْبَسُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ وَهُمَا يَتَلَازَمَانِ عَلَى الْمَاءِ وَالْمَلْزُومَةُ تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا: إنّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ ثُمّ أَقْضِيك الّذِي لَك. قَالَ مَجْدِيّ: صَدَقْتِ ثُمّ خَلّصَ بَيْنَهُمَا. وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدِيّ وَبَسْبَسُ فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا، ثُمّ انْطَلَقَا حَتّى أَتَيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِمَا سَمِعَا.

.[حَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ وَهَرَبُهُ بِالْعِيرِ]:

وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ حَتّى تَقَدّمَ الْعِيرَ حَذَرًا، حَتّى وَرَدَ الْمَاءَ فَقَالَ لِمَجْدِيّ بْنِ عَمْرٍو: هَلْ أَحْسَسْت أَحَدًا، فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَنْكَرَهُ إلّا أَنّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبَيْنِ قَدْ أَنَاخَا إلَى هَذَا التّلّ ثُمّ اسْتَقَيَا فِي شَنّ لَهُمَا، ثُمّ انْطَلَقَا. فَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهُمَا، فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتّهُ فَإِذَا فِيهِ النّوَى؛ فَقَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ. فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا، فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ عَنْ الطّرِيقِ فَسَاحَلَ بِهَا، وَتَرَكَ بَدْرًا بِيَسَارِ وَانْطَلَقَ حَتّى أَسْرَعَ.

.[رُؤْيَا جُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ فِي مَصَارِعِ قُرَيْشٍ]:

قَالَ: وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ، فَلَمّا نَزَلُوا الْجُحْفَةَ، رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصّلْتِ ابْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رُؤْيَا، فَقَالَ إنّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النّائِمُ وَإِنّي لَبَيْنَ النّائِمِ وَالْيَقِظَانِ. إذْ نَظَرْت إلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ حَتّى وَقَفَ وَمَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ ثُمّ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ فَعَدّدَ رِجَالًا مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، ثُمّ رَأَيْتُهُ ضَرَبَ فِي لَبّةِ بَعِيرِهِ ثُمّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلّا أَصَابَهُ نَضْحٌ مِنْ دَمِهِ. قَالَ فَبَلّغْت أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ وَهَذَا أَيْضًا نَبِيّ آخَرُ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ سَيَعْلَمُ غَدًا مَنْ الْمَقْتُولُ إنْ نَحْنُ الْتَقَيْنَا.

.[رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى قُرَيْش ٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ: إنّكُمْ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَقَدْ نَجّاهَا اللّهُ فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى نَرِدَ بَدْرًا- وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلّ عَامٍ- فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا، فَامْضُوا.

.[رُجُوعُ الْأَخْنَسِ بِبَنِي زُهْرَةَ]:

وَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ يَا بَنِي زُهْرَةَ قَدْ نَجّى اللّهُ لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَخَلّصَ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَإِنّمَا نَفَرْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ فَاجْعَلُوا لِي جُبْنَهَا وَارْجِعُوا، فَإِنّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ بِأَنْ تَخْرُجُوا فِي غَيْرِ ضَيْعَةٍ لَا مَا يَقُولُ هَذَا، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ. فَرَجَعُوا، فَلَمْ يَشْهَدْهَا زُهْرِيّ وَاحِدٌ أَطَاعُوهُ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا. وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ بَطْنٌ إلّا وَقَدْ نَفَرَ مِنْهُمْ نَاسٌ إلّا بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ مَعَ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مِنْ هَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ أَحَدٌ، وَمَشَى الْقَوْمُ. وَكَانَ بَيْنَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- وَكَانَ فِي الْقَوْمِ- وَبَيْنَ بَعْضِ قُرَيْشٍ مُحَاوَرَةٌ فَقَالُوا: وَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْنَا يَا بَنِي هَاشِمٍ وَإِنْ خَرَجْتُمْ مَعَنَا، أَنّ هَوَاكُمْ لَمَعَ مُحَمّدٍ. فَرَجَعَ طَالِبٌ إلَى مَكّةَ مَعَ مَنْ رَجَعَ. وَقَالَ طَالِبُ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ:
لَا هُمّ إمّا يَغْزُوَنّ طَالِبْ ** فِي عُصْبَةٍ مُحَالِفٌ مُحَارِبْ

فِي مِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبِ ** فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبُ غَيْرَ السّالِبِ

وَلْيَكُنْ الْمَغْلُوبُ غَيْرَ الْغَالِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبُ، وَقوله: وَلْيَكُنْ الْمَغْلُوبُ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الرّوَاةِ لِلشّعْرِ.

.[نُزُولُ قُرَيْشٍ بِالْعُدْوَةِ وَالْمُسْلِمِينَ بِبَدْرِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنْ الْوَادِي، خَلْفَ الْعَقَنْقَلِ وَبَطْنِ الْوَادِي، وَهُوَ يَلَيْلُ، بَيْنَ بَدْرٍ وَبَيْنَ الْعَقَنْقَلِ، قُرَيْشٌ، وَالْقُلُبُ بِبَدْرِ فِي الْعُدْوَةِ الدّنْيَا مِنْ بَطْنِ يَلَيْلَ إلَى الْمَدِينَةِ. وَبَعَثَ اللّهُ السّمَاءَ وَكَانَ الْوَدْيُ دَهْسًا، فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْهَا مَا لَبّدَ لَهُمْ الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ السّيْرِ وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبَادِرُهُمْ إلَى السّمَاءِ حَتّى إذَا جَاءَ أَدُنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ بِهِ.

.[مَشُورَةُ الْحُبَابِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحُدّثْت عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنّهُمْ ذَكَرُوا: أَنّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ وَلَا نَتَأَخّرَ عَنْهُ أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرُ مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ ثُمّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً ثُمّ نُقَاتِلُ الْقَوْمَ فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرّأْيِ. فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ النّاسِ فَسَارَ حَتّى إذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوّرَتْ وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فَمُلِئَ مَاءً ثُمّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ.

.[بِنَاءُ الْعَرِيشِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ أَلَا نَبْنِي لَك عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ وَنُعِدّ عِنْدَك رَكَائِبَك، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا، فَإِنْ أَعَزّنَا اللّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى، جَلَسْت عَلَى رَكَائِبِك، فَلَحِقْت بِمَنْ وَرَاءَنَا، فَقَدْ تَخَلّفَ عَنْك أَقْوَامٌ يَا نَبِيّ اللّهِ مَا نَحْنُ بِأَشَدّ لَك حُبّا مِنْهُمْ وَلَوْ ظَنّوا أَنّك تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلّفُوا عَنْك، يَمْنَعُك اللّهُ بِهِمْ يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَك. فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ. ثُمّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ.

.[ارْتِحَالُ قُرَيْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ فَأَقْبَلَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَصَوّبَ مِنْ الْعَقَنْقَلِ- وَهُوَ الْكَثِيبُ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ إلَى الْوَادِي- قَالَ اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك، اللّهُمّ فَنَصْرَك الّذِي وَعَدْتنِي، اللّهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَقَدْ رَأَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ- إنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ إنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا وَقَدْ كَانَ خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بْنِ رَحَضَةَ الْغِفَارِيّ، أَوْ أَبُوهُ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيّ، بَعَثَ إلَى قُرَيْشٍ، حِينَ مَرّوا بِهِ ابْنَا لَهُ بِجَزَائِرِهِ أَهْدَاهَا لَهُمْ وَقَالَ إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نُمِدّكُمْ بِسِلَاحِ وَرِجَالٍ فَعَلْنَا. قَالَ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ مَعَ ابْنِهِ أَنْ وَصَلَتْك رَحِمٌ قَدْ قَضَيْت الّذِي عَلَيْك، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ النّاسَ فَمَا بِنَا مِنْ ضَعْفٍ عَنْهُمْ وَلَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ اللّهَ كَمَا يَزْعُمُ مُحَمّدٌ فَمَا لِأَحَدِ بِاَللّهِ مِنْ طَاقَةٍ.

.[إسْلَامُ ابْنِ حِزَامٍ]:

فَلَمّا نَزَلَ النّاسُ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُمْ. فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إلّا قُتِلَ إلّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنّهُ لَمْ يُقْتَلْ ثُمّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَكَانَ إذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ قَالَ لَا وَاَلّذِي نَجّانِي مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ.

.[تَشَاوُرُ قُرَيْشٍ فِي الرّجُوعِ عَنْ الْقِتَالِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: لَمّا اطْمَأَنّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الجُمَحِيّ فَقَالُوا: احْزُرُوا لَنَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ، قَالَ فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ ثَلَاثُ مِئَةٍ رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ؟ قَالَ فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتّى أَبْعَدَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، وَلَكِنّي قَدْ رَأَيْتُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النّاقِعَ قَوْمٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إلّا سُيُوفُهُمْ وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَرُوا رَأْيَكُمْ. فَلَمّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النّاسِ فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إنّك كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا، وَالْمُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَك إلَى أَنْ لَا تَزَالَ تُذْكَرُ فِيهَا بِخَيْرِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ؟ قَالَ وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ؟ قَالَ تَرْجِعُ بِالنّاسِ وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِك عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيّ، قَالَ قَدْ فَعَلْتُ أَنْتَ عَلَيّ بِذَلِكَ إنّمَا هُوَ حَلِيفِي، فَعَلَيّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ.

.[نَسَبُ الْحَنْظَلِيّةِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَالْحَنْظَلِيّةُ أُمّ أَبِي جَهْلٍ وَهِيَ أَسَمَاءُ بِنْتُ مُخَرّبَةَ أَحَدُ بَنِي نَهْشِلْ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ- فَإِنّي لَا أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ أَمْرَ النّاسِ غَيْرُهُ يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَام ٍ. ثُمّ قَامَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ خَطِيبًا، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلَقّوْا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَاَللّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ لَا يَزَالُ الرّجُلُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النّظَرَ إلَيْهِ قَتَلَ ابْنَ عَمّهِ أَوْ ابْنَ خَالِهِ أَوْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهِ فَارْجِعُوا وَخَلّوا بَيْنَ مُحَمّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ أَصَابُوهُ فَذَاكَ الّذِي أَرَدْتُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ تَعَرّضُوا مِنْهُ مَا تُرِيدُونَ. قَالَ حَكِيمٌ فَانْطَلَقْتُ حَتّى جِئْت أَبَا جَهْل ٍ فَوَجَدْته قَدْ نَثَلَ دِرْعًا لَهُ مِنْ جِرَابِهَا، فَهُوَ يُهَنّئُهَا.- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُهَيّئُهَا- فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا الْحَكَم ِ إنّ عُتْبَةَ أَرْسَلَنِي إلَيْك بِكَذَا وَكَذَا، لِلّذِي قَالَ فَقَالَ انْتَفَخَ وَاَللّهِ سَحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ كَلّا وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ وَلَكِنّهُ قَدْ رَأَى أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ جَزُورٍ وَفِيهِمْ ابْنُهُ فَقَدْ تَخَوّفَكُمْ عَلَيْهِ. ثُمّ بَعَثَ إلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ، فَقَالَ هَذَا حَلِيفُك يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنّاسِ وَقَدْ رَأَيْتَ ثَأْرَك بِعَيْنِك، فَقُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ وَمَقْتَلَ أَخِيك. فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَاكْتَشَفَ ثُمّ صَرَخَ وَاعَمْرَاه، وَاعَمْرَاه، فَحَمِيَتْ الْحَرْبُ وَحَقِبَ النّاسُ وَاسْتَوْسَقُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشّرّ وَأُفْسِدَ عَلَى النّاسِ الرّأْيُ الّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ عُتْبَةُ. عُتْبَةَ قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ انْتَفَخَ وَاَللّهِ سَحْرُهُ قَالَ سَيَعْلَمُ مُصَفّرُ اسْتِهِ مَنْ انْتَفَخَ سَحْرُهُ أَنَا أَمْ هُوَ؟. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السّحْرُ الرّئَةُ وَمَا حَوْلَهَا مِمّا يَعْلَقُ بِالْحُلْقُومِ مِنْ فَوْقِ السّرّةِ. وَمَا كَانَ تَحْتَ السّرّةِ فَهُوَ الْقُصْبُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ. ثُمّ الْتَمَسَ عُتْبَةُ بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا فِي رَأْسِهِ فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ عَلَى رَأْسِهِ بِبُرْدٍ لَهُ.

.[مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْمَخْزُومِيّ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ خَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سَيّئَ الْخُلُقِ فَقَالَ أُعَاهِدُ اللّهَ لَأَشْرَبَن مِنْ حَوْضِهِمْ أَوْ لَأَهْدِمَنّهُ أَوْ لَأَمُوتَنّ دُونَهُ فَلَمّا خَرَجَ خَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَأَطَنّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ وَهُوَ دُونَ الْحَوْضِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخَبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ ثُمّ حَبَا إلَى الْحَوْضِ حَتّى اقْتَحَمَ فِيهِ يُرِيدُ زَعَمَ أَنْ يُبِرّ يَمِينَهُ وَأَتْبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ.

.[دُعَاءُ عُتْبَةَ إلَى الْمُبَارَزَةِ]:

قَالَ ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، حَتّى إذَا فَصَلَ مِنْ الصّفّ دَعَا إلَى الْمُبَارَزَةِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فِتْيَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ وَهُمْ عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ- وَأُمّهُمَا عَفْرَاءُ- وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ. ثُمّ نَادَى مُنَادِيهِمْ يَا مُحَمّدُ أَخْرِجْ إلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ وَقُمْ يَا عَلِيّ، فَلَمّا قَامُوا وَدَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالَ عُبَيْدَةُ عُبَيْدَةُ وَقَالَ حَمْزَةُ حَمْزَةُ وَقَالَ عَلِيّ: عَلِيّ، قَالُوا: نَعَمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ. فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَكَانَ أَسَنّ الْقَوْمِ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَبَارَزَ عَلِيّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ. فَأَمّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ وَأَمّا عَلِيّ فَلَمْ يُمْهِلْ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ وَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفّفَا عَلَيْهِ وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إلَى أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ لِلْفِتْيَةِ مِمّنْ الْأَنْصَارُ، حِينَ انْتَسَبُوا: أَكْفَاءٌ كِرَامٌ إنّمَا نُرِيدُ قَوْمَنَا.

.[الْتِقَاءُ الْفَرِيقَيْنِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ تَزَاحَفَ النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا حَتّى يَأْمُرَهُمْ وَقَالَ إنْ اكْتَنَفَكُمْ الْقَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنّبْلِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ فَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَمَا حَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ.

.[ابْنُ غَزِيّةَ وَضَرْبُ الرّسُولِ لَهُ فِي بَطْنِهِ بِالْقَدَحِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حِبّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حِبّانَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَدّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ يُعَدّلُ بِهِ الْقَوْمَ فَمَرّ بِسَوَادِ بْنِ غَزِيّةَ حَلِيفِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ سَوّادٌ مُثَقّلَةٌ وَسَوَادٌ فِي الْأَنْصَارِ غَيْرُ هَذَا، مُخَفّفٌ- وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنْ الصّفّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ مُسْتَنْصِلٌ مِنْ الصّفّ- فَطُعِنَ فِي بَطْنِهِ بِالْقِدْحِ وَقَالَ اسْتَوِ يَا سَوّادُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْجَعْتنِي وَقَدْ بَعَثَك اللّهُ بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ قَالَ فَأَقِدْنِي. فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَطْنِهِ وَقَالَ اسْتَقِدْ قَالَ فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهَ حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْعَهْدِ بِك أَنْ يَمَسّ جِلْدِي جِلْدَك. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرِ وَقَالَهُ لَهُ.

.[مُنَاشَدَةُ الرّسُولِ رَبّهُ النّصْرَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ عَدّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدْ وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ بَعْضَ مُنَاشَدَتِك رَبّك، فَإِنّ اللّهَ مُنْجّزٌ لَك مَا وَعَدَك. وَقَدْ خَفَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمّ انْتَبَهَ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاك نَصْرُ اللّهِ. هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ.

.[مَقْتَلُ مِهْجَعٍ وَابْنِ سُرَاقَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ رُمِيَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّاب بِسَهْمِ فَقُتِلَ فَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ رُمِيَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ أَحَدُ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ وَهُوَ يَشْرَبُ مِنْ الْحَوْضِ بِسَهْمِ فَأَصَابَ نَحْرَهُ فَقُتِلَ.

.[تَحْرِيضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ]:

قَالَ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّاسِ فَحَرّضَهُمْ وَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إلّا أَدْخَلَهُ اللّهُ الْجَنّةَ. فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٍ يَأْكُلُهُنّ بَخْ بَخْ أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ ثُمّ قَذَفَ التّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَن عَوْفَ بْنَ الْحَارِثِ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا يُضْحِكُ الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوّ حَاسِرًا. فَنَزَعَ دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَهَا، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِل.